الرياض، المملكة العربية السعودية (12 مايو 2024) – تتجاوز زينة عيد الميلاد التقليدية مجرد الاحتفال الديني لتؤرخ لقصص معقدة عن المناخ، والتبادل الثقافي، والاحتياجات البشرية الأساسية لجلب الجمال إلى الداخل أثناء حلول فصل الشتاء. تبرز ليلة عيد الميلاد، أو “ليلة الميلاد”، كذروة سنوية لخبراء تنسيق الزهور حول العالم، حيث تتحول خبرتهم النباتية إلى لغة ترجمة ثقافية، تسلط الضوء على تباينات المعنى النباتي بين ثقافات أمريكا اللاتينية، وأوروبا الشمالية، والشرق الأقصى.
نبات البونسيتة: من طقوس الأزتك إلى رمز عالمي
أصبح نبات البونسيتة (Poinsettia) ذو الأوراق القرمزية الشهيرة رمزاً عالمياً لاحتفالات عيد الميلاد، لكن رحلته تعكس واحدة من أنجح قصص تسويق النباتات في التاريخ. في المكسيك القديمة، عُرفت البونسيتة باسم cuetlaxochitl واستخدمها الأزتك كصبغة وكمخفض للحمى. بعد الاستعمار الإسباني، أدرجها الرهبان الفرنسيسكان في احتفالاتهم، متأثرين بشكل أوراقها الذي يشبه نجمة بيت لحم. شهد عام 1828 قيام جويل روبرتس بوينسيت، أول سفير أمريكي في المكسيك، بإرسال قصاصات من النبات إلى بلاده، مما وضع الأساس لانتشارها التجاري. اليوم، تشير التقديرات إلى أن مزارعي الولايات المتحدة وحدها يبيعون حوالي 35 مليون نبتة بونسيتة سنوياً، مع تركيز الذروة على الأسبوعين السابقين لليلة عيد الميلاد.
ومع ذلك، تحتفظ البونسيتة بمعنى أعمق في أماكن مثل المكسيك، حيث تحمل اسم flor de nochebuena (زهرة ليلة الميلاد)، وتحوّل مذابح الكنائس إلى مزارات قرموزية خلال “قداس منتصف الليل” الذي يقام عشية العيد.
جمالية الشمال البسيطة تتبنى الطبيعة الشتوية
في تباين صارخ مع وفرة الاحتفالات في الجنوب، تتبنى تقاليد دول شمال أوروبا (إسكندنافيا) فلسفة نباتية قائمة على ضبط النفس. بدلاً من أكاليل الزهور الصنوبرية الكثيفة، يركز منسقو الزهور في دول مثل الدنمارك والسويد على تنسيقات هندسية بسيطة. يشرح الخبراء أن هذا النهج “لا يحاول محاربة الشتاء، بل يجلبه إلى الداخل ويزينه”. تتكون تنسيقات ليلة الميلاد الاسكندنافية غالباً من مواد مجمعة محلياً: فروع مغطاة بالأشنات، وورود برية متجمدة، وزهرة وردة عيد الميلاد البيضاء (Helleborus niger) الرقيقة التي تبدو متوهجة مقابل الفروع دائمة الخضرة الداكنة. تعكس هذه الأعمال جمال الغابة الشتوي الخالي من التكلف.
تقاليد الشرق الأرثوذكسي: اجتماع القمح والصنوبر
في الدول الأرثوذكسية الشرقية، يُحتفل بليلة عيد الميلاد في 6 يناير، وتتميز برموز نباتية مختلفة كلياً. يتضمن تقليد ليلة الميلاد في روسيا وأوكرانيا وضع سنابل القمح في قلب الزينة، وهي ممارسة ترمز إلى التواضع وتذكر بمهد المسيح وتُعد بمثابة صلاة من أجل الحصاد القادم. يتم تجميع القمح مع أغصان الصنوبر وأكياس الخشخاش المجففة لتشكيل تنسيق يُعرف باسم ديدوخ، والذي يعني “روح الجد”. يوضع هذا التنسيق الذهبي اللون في الزاوية الشرقية من المنزل، مكان الأيقونات العائلية التقليدية، مما يربط الاحتفالات الحديثة بالطقوس الزراعية القديمة.
التحدي الأسترالي: زهور منتصف الصيف
تمثل ليلة عيد الميلاد في نصف الكرة الجنوبي، حيث يصادف 24 ديسمبر ذروة الصيف الأسترالي، تحدياً فريداً لتنسيق الزهور. طور منسقو الزهور الأستراليون تقليداً خاصاً بهم، يجمع بين احترام التراث الأوروبي والواقع المحلي. النجم هو شجرة عيد الميلاد الأسترالية (Ceratopetalum gummiferum)، التي تتحول أوراقها إلى اللون الأحمر الفاقع في موسم الأعياد.
تعتمد التنسيقات الصيفية على النباتات المحلية التي تتحمل الحرارة، مثل فرشاة الزجاج، وأنواع الكينا، وزهرة وارتاتا ذات البتلات الحمراء الشبيهة بالعنكبوت. يشير الخبراء إلى أن الزهور التي ترمز إلى عيد الميلاد في بريطانيا، مثل البلوط، لا يمكن أن تصمد أمام درجات الحرارة التي قد تصل إلى 35 درجة مئوية. بدلاً من ذلك، يتم دمج هذه الزهور الصيفية مع الأصداف والأعشاب الجافة، لتروي قصة حقول الكينا وليس الصنوبر.
ليلة الميلاد: ذروة إبداعية لمنسقي الزهور
بغض النظر عن الموقع، تمثل ليلة عيد الميلاد ذروة النشاط لمنسقي الزهور. تبدأ الاستعدادات قبل أشهر لضمان أن تكون هذه النباتات في أوج ازدهارها في الوقت المحدد. في هذه الليلة تحديداً، بعد انتهاء زحمة التوصيلات والمشترين المتأخرين، تتوقف هذه المتاجر العالمية، ويقوم الخبراء بإنشاء تنسيقاتهم الشخصية.
هذه التنسيقات لا تتبع الاتجاهات التجارية؛ بل هي حوار حميم مع الطبيعة، وتحية للعالم الطبيعي الذي يوفر لهم سُبل العيش. تمثل الزهور جسراً بين الماضي والحاضر، والطبيعة والثقافة، مُذكرةً بأن الحياة والجمال يستمران حتى في أعمق فصول البرد، وأن التجديد لا يفصلنا عنه سوى موسم واحد.