دبي، الإمارات العربية المتحدة – في وجه التصاعد المطرد للنزعة التجارية التي تصبغ الاحتفالات بعيد الميلاد، تتنامى حركة عالمية منظمة تسعى إلى استرداد الجوهر الأصيل للأعياد، مُركزة على القيم الإنسانية، الروابط الأسرية، الاستدامة البيئية، والعدالة الاجتماعية بدلاً من الهوس بالإنفاق المادي. لا تمثل هذه الحركات انشقاقاً كاملاً عن التقاليد، بل تمثل دعوة واعية لتبني أساليب احتفال أكثر بساطة وتركيزاً على المعنى.
حركة “لا تشترِ عيد الميلاد”: المقاومة تبدأ بالامتناع
تُعدّ حركة “لا تشترِ عيد الميلاد”، التي انطلقت من كندا عام 2001 (كجزء من يوم “عدم الشراء” لـ Adbusters)، مثالاً بارزاً على هذا التوجه. تهدف الحركة إلى تشجيع الأفراد على الانسحاب من دائرة الشراء أثناء موسم الأعياد. يختار المشاركون قضاء الوقت مع الأحباء، صناعة الهدايا يدوياً، أو الانخراط في أعمال تطوعية كبديل للتسوق. وقد اكتسبت هذه الحركة صدى قوياً عبر أمريكا الشمالية والمملكة المتحدة وأستراليا، حيث يتم تنظيم تبادلات للهدايا لا تتضمن أي مشتريات جديدة، والتركيز على تبادل المهارات والخبرات.
بساطة الشمال الأوروبي: ثقافة الاعتدال (لاغوم)
تُظهر الممارسات الثقافية في الدول الاسكندنافية مقاومة طبيعية للإفراط المادي. ففي السويد، يمتد مفهوم “لاغوم” (Lagom)، الذي يعني “القدر الكافي أو الاعتدال”، ليشمل احتفالات عيد الميلاد. هذا التركيز على الهدايا القليلة ذات المغزى والاحتضان الدافئ لأسلوب “هوغي” (Hygge) في الدنمارك، حيث تُفضل الزينة والحلويات المنزلية الصنع بدلاً من الكماليات الباهظة، يعكس قيماً متجذرة بعمق. ورغم أنها ليست حركات رسمية، إلا أن هذه التقاليد الثقافية تخدم كحاجز فعال ضد الزحف التجاري.
العطاء الخيري كبديل: مبادرة “مؤامرة المجيء”
في الولايات المتحدة، انطلقت حركة “مؤامرة المجيء” (Advent Conspiracy) بقيادة مجموعة من القساوسة في عام 2006. تهدف المبادرة إلى توجيه ميزانيات الهدايا في المسيحية نحو الأعمال الخيرية. تقوم المبادئ الأربعة للحركة على التالي: التعبد بالكامل، الإنفاق الأقل، العطاء الأكثر، ومحبة الجميع. يُشجَّع المشاركون على تقدير المبلغ الذي كانوا سيخصصونه للهدايا، والتبرع بجزء كبير منه لقضايا تخدم المحتاجين، مثل توفير المياه النظيفة أو مكافحة الفقر عالمياً. وقد نجحت هذه الحركة في جمع ملايين الدولارات لمشاريع تنموية.
حلول عملية لإدارة الاحتفال الواعي
يتجه الأفراد والعائلات نحو تطبيق استراتيجيات ملموسة لمقاومة الضغط الاستهلاكي:
- قاعدة الهدايا الأربع: يتبنى الكثيرون قاعدة تقصر الهدايا على أربع فئات (شيء يريدونه، شيء يحتاجونه، شيء يرتدونه، شيء يقرؤونه).
- هدايا الخبرات: تفضيل الهدايا غير المادية مثل تذاكر الحفلات أو ورش العمل أو يوم مخصص للمغامرات، بدلاً من المقتنيات.
- تقنين “كريس كرينجل”: تُطبق في أستراليا وأماكن أخرى حدود صارمة للإنفاق على الهدايا المتبادلة في أماكن العمل والعائلات، عادةً ما تكون بحدود 10-30 دولاراً أسترالياً، مما يشجع على الإبداع بدلاً من الغلاء.
- هدية الوقت: تُعد “هدية الوقت” من الاتجاهات الصاعدة، حيث يقدم الأفراد قسائم لخدمات شخصية أو دروس لتعليم مهارة معينة بدلاً من شراء منتج جاهز.
كما تشدد حركات مثل “عيد الميلاد الأخضر” في ألمانيا على الاستدامة البيئية، بتشجيع الأسواق التي توفر منتجات محلية ومنتجات التجارة العادلة، والحد من استخدام البلاستيك في الزينة والتغليف.
تعكس هذه الحركات المتنوعة توجهاً موحداً نحو إعطاء الأولوية للعلاقات الإنسانية على الأشياء المادية، واستعادة الوقت من ضغوط التسوق، والعودة إلى الجذور الروحية أو الثقافية للاحتفالات، مما يشكل تياراً مضاداً حاسماً للثقافة التجارية السائدة.